Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

تهتم بقضايا البحث الأكاديمي، وإعادة نشر مقالات الأستاذ أحمد عظيمي وكذلك الترويج للقضايا الفكرية التي تخدم الأمة العربية

الصلح غير المصالحة

 

 

الصلح غير المصالحة

 

(نشر في جريدة صوت الأحرار يوم 20/12/2010) 

جاء في الأخبار أن قيم كرة القدم في الجزائر، السيد راوراوة، عقد جلسة صلح مع قيم كرة القدم المصرية السيد زاهر وذلك بوساطة قطرية.

الصحف الصادرة يوم الخميس الماضي بالجزائر، وهو يوم عاشوراء، اهتمت كثيرا بالخبر فخصصت له حيزات كبيرة على صفحاتها الأولى، وكان منها من نشر الخبر مع صورة للرجلين على صفحاتها الأولى، ومنها من علق على الحدث، ومنها من اتصل بالسيد راوراوة الذي أكد الخبر. 

الصحافة العربية، اهتمت بالخبر هي الأخرى لأنها رأت فيه بادرة خير لإعادة العلاقات المصرية-الجزائرية إلى سالف عهدها، واعتقد أغلب محررو هذه الصحف بأن الصلح الذي تم بين راوراوة وزاهر كاف لإذابة ما سموه بالجليد في العلاقات بين البلدين.

يبدو أن لا أحد من العرب، ولا من المصريين، استطاع أن يدرك حجم الضرر، وعمق الشرخ، الذي أحدثه النظام المصري في العلاقات بينه وبين الشعب الجزائري. الأمر لا يتعلق أبدا بمجرد مقابلة في كرة القدم، ولا بمجرد كلام قيل في لحظة انزعاج، ولا حتى بمحتوى تصريح سياسي معين أدلى به مسؤول ما في حالة غضب، بل هي حرب دعائية قذرة قادها النظام المصري ضد الجزائر بشعبها وشهدائها ورموزها. لم يسبق لنا، في الجزائر، أن سمعنا سبابا، وشتائم، وطعنا في أخلاق أمهاتنا وشرف نسائنا وحرمة شهدائنا، وتهديدا لنا، كما سمعناه، على المباشر، من أبني الرئيس المصري والمسؤولين المصريين وشرذمة من الذين يسمون أنفسهم بالإعلاميين والفنانين في مصر. 

لقد تسنى لي الاطلاع على دراسات عديدة أنجزت في فرنسا، من طرف جزائريين وفرنسيين، حول صورة الشعب الجزائري في الصحافة الفرنسية خلال العديد من فترات الاحتلال الفرنسي للجزائر، ولم أجد في كل ما قيل في الصحافة الفرنسية عن الجزائريين، خلال قرن وثلث القرن، شبيها بما قاله المسؤولون والإعلام المصري في الجزائريين خلال شهر واحد، أي من 12 نوفمبر إلى 12 ديسمبر2009.

ما أقوله هنا ليس مجرد كلام عام، بل هو نتاج دراسة أكاديمية نشرتها في كتاب بعنوان (دعاية الكراهية. دراسة تحليلية لعينة من محتوى القنوات التلفزيونية المصرية من 12 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2009)، وقد بينت الدراسة من تكلم وكيف تكلم، كما بينت بأن ما قيل في حق الجزائر وشهدائها ورموزها لم يسبق أن قيل في أي شعب منذ وجود التلفزيون إلى اليوم، ومن خلال مقارنة مع الدعاية النازية اتضح أنه حتى وزير دعاية هتلر لم يصل به الحقد والتطرف حد وصف أعدائه، بما فيهم اليهود، بما وصفت به الدعاية المصرية الجزائريين.

بعد كل هذا، يأتي من يتكلم عن الصلح بين المسؤولين المباشرين عن الرياضة في مصر والجزائر، ويرى في ذلك مصالحة بين الجزائر ومصر.

لا أدري كيف ينظر الناس إلى مثل هذه الأمور. بالنسبة إلينا، في الجزائر، الأمر لا يتعلق أبدا بمسؤولي كرة القدم ولا حتى برجال السياسة، مهما كان موقعهم في سلم المسؤولية. القضية هي قضية الشعب الجزائري، فلو أن الذين ثاروا واحتجوا وتكلموا في مصر، على إثر خسارة فريقهم في أم درمان، أكتفوا بتوجيه النقد (وليس الشتم) لمتطرفي كرة القدم لوجدونا إلى جانبهم ندعو معهم إلى عدم تحميل كرة القدم أكثر من حجمها كلعبة تمارس لتوطيد العلاقات بين الشباب من مختلف دول العالم؛ ولو أنهم اكتفوا بتوجيه النقد للنظام السياسي الجزائري لوجدوا من بيننا من يساعدهم في نقدهم لأنه لا يوجد نظام في العالم ليس له معارضون. أما أن يوجهوا سبابهم وشتائمهم نحو كل الشعب الجزائري ويقولون عنه ما لم يقله حتى أكثر الفرنسيين تعصبا أيام الاحتلال، فهذا ما لا يمكن أن يتم نسيانه وبالتالي لا يمكن أبدا أن تكون هناك مصالحة بين النظام المصري والشعب الجزائري.

المسألة كلها هي اليوم، بين النظام المصري الذي جند زبانيته الفاشلين إعلاميا، واستعمل رموزه المنبوذة شعبيا في مصر وفي العالم العربي، ومنهم ولدا الرئيس وأحدهما  هو مسؤول السياسات في الحزب الحاكم والذي هدد الجزائر قائلا بأن مصر قوية وستستعمل علاقاتها العديدة لجعل الجزائر تدفع الثمن، كما تكلم وزراء وأعضاء مجلس الشعب وعشرات المسؤولين. المسألة مقصودة إذن ومخطط لها ولم يصدر كل ما قيل عن مجرد فنانين أو حتى صحفيين غير مهنيين.

ولأن الأمر كذلك، ولأننا أبناء حرات شريفات لم يتمكن الاحتلال من تدنيسهن جسميا ولا فكريا طوال حقبة الاحتلال، ولأننا أبناء شهداء ركعوا واحدا من أقوى الجيوش في العالم، ولأننا أحفاد عرب بدو جاؤوا إلى شمال إفريقيا فامتزجوا مع أمازيغها مشكلين شعبا يختلف، في سلوكه على الأقل، عن الكثير من الشعوب الأخرى، فنحن لا نشتم أحدا، ولا نقاطع أحدا إلا من ثبتت خيانته لنا، ولا نتصرف بالمزاج مع أحد فنحن نقول ما نفكر فيه ولا نعرف الخبث ولا النفاق، لكن عندما نمس في شرفنا أو في كرامتنا، أو نطعن في ظهورنا،  فإننا لا ننسى أبدا، ولا نغفر للذي تسبب في ذلك إلا إذا جاء معتذرا. يومها، نستقبله بالذبيحة ونكرم وفادته وندفن كل الضغائن والأحقاد.

الاعتذار لا يقدم في حالتنا للمسؤولين عن الرياضة ولا للسياسيين بل للشعب الجزائري كله. إن كان النظام المصري شعر بالخطأ حقا، أو خاف على استثماراته في الجزائر، وأراد إعادة الأمور إلى سابق عهدها فعليه أن يقدم الاعتذار إلى الشعب الجزائري وأن يغير من سياسته، على الأقل في ما يتعلق بعلاقاته بالجزائر. على أبناء النظام في مصر أن يدركوا بأن الجزائر ليست مجرد بئر من البترول، أو كيس كبير من البترودولارات، أو سوق واسع للمنتوجات الأجنبية، بل هي الجزائر بكل ما تعنيه التسمية من عنفوان وسيادة وأنفة وقوة وكرامة وشهامة ... وهي أمور بدأت تفتقد في بعض الجهات من هذا العالم العربي.

من جهتنا، ووفاء لشهداء ثورتنا، ودفاعا عن شرف أمهاتها، وحبا للجزائر التي لا نريد لها أن تكون من ملة العرب الراكعين المنفذين للأجندات الأجنبية، لكل ذلك، سنبقى نتكلم، ونحاضر، ونكتب ضد كل تقارب مع النظام المصري ورموزه مادام هذا النظام لم يعتذر للشعب الجزائري بعد.

 

 

 

 

 

Retour à l'accueil
Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article